مبروك علينا الحرّية ...مرحباً بك زائراً ومتابعاً ... تواصلك يشرفني

الجمعة، يناير ٢٥، ٢٠٠٨

إسرائيل والغباء السياسي في قطاع غزة ...

رغم تفوق الساسة في إسرائيل على نظرائهم في العالم العربي الذين يجاهدون لتوحيد الصف والكلمة منذ عقود ولكن تكبلهم التوازنات الدولية والظروف الاقتصادية.... ورغم قدرة النظام الإسرائيلي على استغلال راعيته – (الولايات المتحدة الأمريكية) – لتحييد أطراف النزاع .... ورغم استمراره في تجويع وحصار إخوتنا وأخواتنا في فلسطين.... إلا أن كل ذلك لا يجدي أمام الغباء.....

نعم .... غباء متناهي وتدمير لكافة أرباح المناورات السياسية وإملاء الشروط واللعب على وتر الخلافات الداخلية الفلسطينية....

إسرائيل أحكمت حصارها على غزة وجوعت أهلها بعد آخر مؤتمر للسلام بأكثر مما فعلت من قبل...ارتكنت إلى ثقتها في النظام المصري وقدرته على التحكم في الحدود المشتركة مع غزة بقبضة حديدية كما لو كان بيننا وبين الدولة الفلسطينية جارتنا جدار عازل آخر!!

تناست عن غباء أن هذه هي سياستهم هم.... سياسة الهمج والعصور الوسطى والقلاع الحصينة التي تحمي الأمراء من الغوغاء وعامة الشعب.... لقد خطر ببالهم عن غباء أن الأمر لن يتجاوز محاولات فردية لعبور الحدود إلى مصر والعودة بالنذر اليسير من المؤن والمساعدات التي بالكاد تكفي البعض للتنفس داخل غزة..... تخيلوا عن غباء أن السلطات المصرية ستواجه أي محاولة لعبور الحدود بحسم وقوة وبعض زخّات الرصاص... سيطر عليهم عن غباء وهم الضغوط الدولية والالتزام المصري بالمعاهدات والاتفاقات البينية....

نعم...كان يمكن للنظام المصري أن يتصرف بحسم لو أنها محاولات فردية ولكن مع تدفق وتدافع آلاف المواطنين في محاولة أخيرة لتجنب الموت من الجوع والبرد.... لتجنب الوفيات في المستشفيات..... لتجنب الموت قهراً وعجزاً وكمداً ....مع وجود هذه الأسباب مجتمعة كان من المستحيل أن تكون للنظام المصري ردّة فعل حاسمة أو عنيفة رغم قدرته الأمنية على ذلك....

من المستحيل أن يأمر زعيم عربي بغير ما سمح به الرئيس المصري في هذه الظروف....

ولكن ما هي المحصلة النهائية للغباء السياسي الإسرائيلي نتيجة هذا الموقف:

1- محاولة هزيلة من إسرائيل بعقاب مصر اقتصادياً وتحميلها مسئولية قطاع غزة وهي تعلم ما يمثله ذلك من عبء اقتصادي لا مردود له على المدى القريب... بخلاف كون مسئولية قطاع غزة ليست تفضلاً من جانب إسرائيل بل التزام واجب – هذه دولة فلسطين المحتلة وهذه مواردها المنهوبة وليست تفضلاً إسرائيلياً ولا كرماً إنسانياً، إنها حقوق الفلسطينيين المنهوبة منذ أكثر من نصف قرن.

2- محاولة هزيلة من الولايات المتحدة الأمريكية لمساواة مقتل مستوطن أو جندي بنيران المقاومة بمقتل العشرات من المواطنين أغلبهم من العجزة والأطفال والمرضى نتيجة الجوع والبرد.

3- نجاح ساحق للوطن الفلسطيني في كسر الجمود الاجتماعي في علاقاته مع الإخوة المصريين..... عبور آلاف الفلسطينيين سمح لعدد أكبر من المصريين بالتفاعل والتعاطف وعودة الحماس لمساندة إخوتهم في فلسطين.... عودة للاحتكاك المباشر واستيعاب قسوة الأزمة وفداحة المأساة الفلسطينية التي كانت تظهر فقط على شاشات التليفزيون في رتابة....

4- خسارة إسرائيل الفادحة لكافة جهودها منذ مطلع القرن في تحييد المجتمعات العربية وتحويل القضية الفلسطينية إلى ظاهرة إعلامية بالكاد تكفي لتحريك مشاعر طلاب الجامعات ....

لا يسعني إلا أن أشكر الغباء السياسي الإسرائيلي.... لقد أعدتم التواصل بين جانبي الحدود بشكل أقوى وأوقع من أي خطب رنانة ومظاهرات حزبية.... وبالطبع أحيي رأس السلطة في مصر على أداء واجب كان من المستحيل التنصل منه....