منذ فترة قصيرة (عدة شهور) وهناك هوجة اسمها "البرادعي رئيساً" وأخرى شقيقة لها اسمها "نعم للبرادعي"... مع كامل احترامي للرجل وأحترامي للرأي المنتمي للهوجتين الشقيقتين سالفتي الذكر أرجو أن يتسع صدرك عزيزي القارئ لرأي يشاركني فيه عدد ليس بقليل من الناس - لا يقل عن عدد المنتمين للهوجتين وذلك عن تجربة وسؤال واستشارة - هذا الرأي الذي طالبني المقربون لي بعدم التصريح به و التريث بدلاً من التعرض للهجوم والنقد الذي يرتكن للحماسة والعاطفة والرغبة في التغيير بأكثر مما يرتكن للتعقل ومنطقة الأمور ووضعها في نصابها الصحيح ( أو الذي أراه صحيحاً).
لنبدأ منذ ظهر اسم الرجل على السطح الإعلامي المصري والعالمي...
بدأ التعارف بين عموم المصريين والبرادعي حين بدأت أخبار الوكالة الدولية للطاقة الذرية تحتل عناوين الصحف والمجلات ونشرات الأخبار في مصر والعالم ... الرجل رئيس الهيئة أو الوكالة ذات الأهمية نظراً لما تختص به من تفتيش وتقييم وتصنيف.. الوكالة معنية - وقت ظهور تلك الأخبار وانتشارها - بمراقبة أنشطة إيران النووية وتقييمها وتقديم تقارير عنها؛ بل وتوصيات وتنبيهات وتحذيرات أو تطمينات... وكعادة إعلامنا - في مثل تلك المواقف - تم انتهاز الفرصة - بما أنه مصري - في تمجيده وتلميعه والوقوف وراء ما يقول وتفخيم وتعظيم دوره. أضف إلى ذلك أن نشاطاته أو بالأحرى نشاطات الهيئة تتمحور حول إيران - الدولة التي يتم توظيف أخبارها طبقاً للأجواء المحيطة - فهي تارة تهديد ذو طابع ديني عسكري توسعي وتارة أخرى حليف محتمل وقوة داعمة لشرق أوسط لم تتضح حدوده بعد. إذاً - الرجل والهيئة التي يرأسها والمهام التي تتولاها - هي مادة إعلامية دسمة رابحة في كل الأحوال؛ والرجل كما قلنا من قبل مصري نابه نابغ في منصب رفيع أي أنه فرصة للـ "فشخرة" المصرية المعتادة في المناسبات المشابهة.
لا انكر - وهو أمر طبيعي - إعجابي بهذا النوع من الأخبار التي تؤكد على خبرات المصريين وتميزهم في مختلف المجالات والبلدان والمراكز العلمية والأدبية والسياسية والجتماعية؛ بل وأقر أيضاً أني لمحت التلاعب الإعلامي بقضية الوكالة ودورها الدولي مع إيران بشكل أساسي ومع سوريا على استحياء، كما أقر بأن صياغة الأخبار كانت في كثير من الأحيان ترسم صورة متميزة لحيادية الرجل وموضوعيته على حد سواء، ولكن لم اتصور أن تطفو فكرة "البرادعي رئيساً" على سطح الترعة السياسية في مصر. نعم! الترعة إن لم تكن البركة - بكسر الباء.
خلاصة ما سبق أن عموم المصريين - عدا قلة في المجالات العلمية أو المنظمات الدولية - يعرفون البرادعي من مقالات الجرائد القومية أو نشرات الأخبار التي تناولت أخبار الوكالة في عامين أو ثلاثة كحد أقصى... هذه الأخبار التي كانت تحتل المرتبة الثانية أو الثالثة في العناوين ولكن تحظى باهتمام من مل من قراءة عناوين المرتبة الأولى والثانية لما تحويه من موضوعات مؤسفة أو محبطة أو معتادة.
فجأة... يخرج علينا خبر إمكانية أن يرشح الرجل نفسه للرئاسة... أقوال عامة ومجازية قالها الرجل فصارت فرقعة إعلامية... هو نفسه لم يكن يتصور أن ما قاله سيتم أخذه بجدية لدرجة أنه - وبدبلوماسية غير مستغربة من رجل في مكانته - وبعد أن تطور الموضوع واحتل مساحات من الحبر والعناوين - قال أنه سيرشح نفسه في حال حدث تغيير في الدستور. الحقيقة لا يمكن أن نأخذ هذا التصريح على أنه موافقة أو قبول للترشيح - خاصة حين يصدر من مثقف نابه - هو يعلم علم يقين أن تغيير الدستور لقبول ترشيحه للمنصب شيء لن يحدث أو أنه مستبعد قبل الانتخابات القادمة - وبالتالي هي "عقدة في المنشار" كما نقول - امتناع لامتناع يعني. ولكن هيهات... أصبح هذا التصريح وما صاحبه من عبارات مشابهة، مادة أكثر دسامة (حاجة تِجَرّي الريء) للصحفيين والإعلاميين... لقد أصبح الرجل منادياً بالديموقراطية وتعديل الدستور والتغيير وغيرها من المصطلحات الرنانة الواعدة... صاحب ذلك حملات في جرائد شبه معارضة وشبه مستقلة ترسم صورة الفارس المنقذ ذو الشهادات والمناصب الفاخرة القادم من بلاد الفرنجة ليصلح الحال ويعيد المال ويقود الأمة... تبارت الجرائد المذكورة في عرض تاريخ الرجل العلمي والوظيفي لتبرهن لنا استحقاقه للمنصب وإمكاناته التي لا مثيل لها في البحار والقفار، كما تولت مجموعة من الشباب - منهم من ينتمي لأسرة الرجل - من المدونيين والفيسبوكيين في انشاء المجموعات والشعارات. أصبحت حملة - تبدو شعبية - لمساندة ترشح الرجل لمنصب الرئيس رغم وجود الكثير من الموانع القانونية والدستورية الحالية، بخلاف عدم موضوعية ذلك من الأصل. كان طبيعياً إذاً في مواجهة هذه الحملة أن تكتشف الجرائد القومية أن "فشخرتها" و"تلميعها" للرجل "هتجيبلهم المصايب" ويا نهار أزرق - إوعى يا جدع بطل تلميع - غلطة إعلامية أخرى فتحت المجال ليبدو البرادعي منافس حقيقي تهتم جرائد الحكومة بالتقليل من شأنه وبالتالي يكسب تعاطف البسطاء من منطلق "شفتم!!! أهم خايفين منه وحاسين بتهديد" بينما الحقيقة الواقعة الحالية تقول أنه لا يمثل أي تهديد بل فقط إزعاج وشوية دوشة وقلبة دماغ.
وللتوضيح لا الترشيح - هل الترشح لهذا المنصب - رئيس جمهورية مصر العربية - يعتمد على بروز وجه المرشح في الجرائد ونشرات الأخبار؟ إن كان هذا هو العامل الحاكم يمكننا ترشيح أبو تريكة - الرجل مشهور مصرياً وعالمياً ومتميز في مجاله وقابل علية القوم وتحدث معهم وأعجبتهم مهارته وأخلاقه - بل أنه محب للخير ومؤمن وبالتأكيد سيحاول رفع المظالم ورد الحقوق إلخ من الحسنات والمميزات....طيب بلاش نجم كرة القدم، نخليها سكواش، رياضة الصفوة - بخلاف الجولف طبعاً - طيب بلاش الرياضة.
هل المقياس هو النبوغ والنباهة في التخصص والاعتراف العالمي بذلك؟ ليه مش الدكتور ابراهيم ابو عليش مثلاً ؟- لمن لا يعرفه هو أحد العلماء البارزين في مجال الصيدلة والكيمياء وحاصل على جائزة توازي جائزة نوبل عام 2003 لجهوده في صناعة وتجارة الدواء جنباً إلى جنب مع جهوده في تطوير وتنمية المجتمع (في مصر) - ليه مش الدكتور عصام خليل مثلاً؟ - مهندس مصري حاصل على جوائز محلية وعالمية وعضو لجان استشارية دولية وأيزو وخلافه... ليه مش الدكتور مصطفى قاسم أخصائي الخلايا الجزعية والحائز أيضاً على جوائز هامة من امريكا وغيرها؟
طيب بلاش... ليه مش عمرو موسى؟... ليه مش عمر سليمان؟ ... ليه مش محمد أبو العينين؟ ... ليه مش عمرو دياب؟ ... ليه مش عمرو خالد؟ ... ليه مش أحمد حلمي؟ ليه مش أحد كبار المستشارين أو القضاة المشهود لهم بالنزاهة ؟ مش معنى كده إني باقترحهم ولكن كل واحد مما سبق شاطر في مجاله ومعروف محلياً وعالمياً وقابل سياسيين ودبلوماسيين وغالباً أخلاقه كويسه بل أيضاً يعيش في مصر ويعرفها عن قرب وعلى احتكاك مباشر ومستمر - مش بالمراسلة ولا بالتليفزيون - مع كافة الأوضاع الراهنة.... بل أن هناك وجاهة في اسم أو اسمين منهم فعلاً ...
ثم لا مؤاخذه... مع كامل احترامي للسن "العمر" أطال الله في أعمار الجميع... العالم يتجه إلى تجديد الفكر والدماء... يتجه للشباب... هل من المفروض أن يكون رئيس مصر الجديد تخطى 70 سنة!!! وهل سيحكم فعلاً أم أن بطانته وأعوانه سيقومون بمهامة أثناء اعتلال صحته - المتوقع والطبيعي؟
كمان لا مؤاخذه... انتم ما بتتعلموش؟؟!!! يعني عايزين تغيير وعايزين رئيس جديد ... نفس الأسلوب التاريخي يتكرر.... انت حلو..انت مفيش احسن منك...انت الأمل ... انت ماحصلتش ولا هتحصل... انت بكره وبعده والمستقبل ... انت اللي هتعدل المايل وتريح الشايل... انت انت ولانتش داري... وبعدها - حين يتصرف الرجل طبقاً لما أُسبغ عليه من سمات وصفات يبقى يا نهار أحمر... ده مفتري وده بيعمل وده مش نافع... رغم ان الموضوع مش غلطته - الرجل تم تأليهه وهو يتصرف على هذا الأساس وبالتالي لا عيب ولا خطأ فيما يفعل....
رئاسة جمهورية مصر العربية موضوع كبير جداً ... لا يمكن أن يكون استحقاق هذا المنصب مبنياً على تصريحات رنانة ومركز رفيع.... هناك الكثير من الموضوعية المفتقدة... هناك الكثير من الخطوات القانونية والدستورية ... هناك الكثير من المحكات والأدوار الوطنية التي يجب أن يكون لها وزن وقيمة... الموضوع مش مانشيت فجرنان ولا حملة على الفيس بوك ولا 5000 واحد في المطار ولا لقاء في العاشرة مساء أو القاهرة اليوم ... إحنا 88 مليون... 30 مليون منهم على الأقل ما بيشتروش الجرنان علشان بتمنه ينفع يجيبو حاجة ياكلوها وما بيتفرجوش على التليفزيون علشان شقيانين ورا لقمة العيش و30 مليون تانيين يادوب ملاحقين وقرفانين وما يهمهمش مين هيمسك إلا بقدر ما هيزيد مرتبهم وبتاع 10 مليون مهاجرين فكل حته ولا تفرق معاهم مين الريس و10 مليون معاق عايزين أي ريس يبصلهم ويوصيلهم بحقوقهم والباقي بيتفرج على التليفزيون ويقرا الجرنان ودمتم...
أخيراً ...لو ظل كل شيء على ما هو عليه وفي نفس الوقت تم اكتشاف أو تنفيذ تخريجة ما وترشح البرادعي لرئاسة مصر، ابشركم أن الموضوع لن يتعدى إضفاء شرعية وصورة إعلامية برّاقة للتقدم الديموقراطي في مصر
طبعاً ... وقبل أن أجلس واشاهد أي تعليقات هجومية ناقدة ... أحب أقول إن ده رأيي... شيء يجب احترامه حتى لو
لم تتفق معه ... خليك ديموقراطي قبل أن تطالب بالديموقراطية....
ربنا يهدي الجميع ودمتم بألف بخير
ملحوظة: لا يوجد في المذكورين أعلاه أي فرد أعرفه معرفة شخصية ..