مبروك علينا الحرّية ...مرحباً بك زائراً ومتابعاً ... تواصلك يشرفني

الأحد، نوفمبر ١٤، ٢٠١٠

في عيد الأضحى - آية واحدة تكفي


{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} - 37:102


رأى النبي إبراهيم عليه السلام أنه يذبح إبنه..


أولاً نلاحظ استخدام الفعل (أَرَى ) مصحوباً بكلمة (الْمَنَامِ) أي حالة النوم 
 .. وهو أمر يفيد عدة معان ..
الرؤيا وليس (الحلم) فـ لو أنها أضغاث أحلام لكانت المفردة الدالة على ذلك واضحة المعنى لا لبس فيها
استخدام الفعل المضارع  (أَرَى ) وليس (رأيت) مما يفيد إما بتكرار الرؤيا، أي أنها ليست حادثة ناتجة عن سوء الهضم مثلاً بل رؤيا متكررة ذات هدف ومعنى، كما أنها أيضاً حاضرة التفاصيل مليئة بالحياة .. رؤيا أب أنه يذبح ابنه ليست بشيء هين حتى على الأنبياء..


هل كان هذا أمر مباشر من الله بذبح الإبن؟ .. لو أنه أمر مباشر للنبي من خالقة لـصدر له كأمر مباشر .. الله سبحانه وتعالى يأمر بإرادته وباللفظ المباشر أو بالوحي الصريح.. أمثلة ذلك كثيرة للغاية (وَقُلْنَا يَا آدَمُ) - (قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى) - (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى) - (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) ..


أمّا في حالة سيدنا إبراهيم عليه السلام فقد كانت رؤيا .. ورؤى الأنبياء حق، وقلوب الأنبياء لا تنام  .. أي أن رؤاهم شيء عليهم الالتفات إليه وتأويله والتصرف على أساسه، فإن ثبت أنها وحي، أصبحت الطاعة واجبة.


وعلى ذلك، وبعد فكر ومسيرة، قرر إبراهيم عليه السلام أن يقص هذه الرؤيا على إبنه. 


علينا أن نتذكر دائماً أن التخلي عن ابن أو قتله يعد أمراً عظيماً لـكل أب سليم نفسياً، ناهيك عن كونه نبي. إذاً الموضوع ليس سهلاً حتى على نبي، بل أنه كارثة إن صح التعبير.


يأتي هنا سؤال سيدنا إبراهيم (فَانظُرْ مَاذَا تَرَى) .. لا توجد علامات استفهام في القرآن الكريم .. بل أن المفردات والصياغة تتكفل بإيصال المعنى بدقة بالغة .. يستطيع من يقرأ القرآن أن يفهم السؤال ومعناه وتصنيفه، بعبارة أخرى يمكن معرفة ما إذا كان الغرض من السؤال هو الاستنكار أو الاستفهام أو غير ذلك من المعاني. والسؤال هنا ليس استنكارياً بالطبع .. بل هو سؤال من أب يكن لابنه مشاعر الحب الإنساني الأبوي الغريزي ويكن لربه حب والتزام آخر بحكم النبوة.


(فَانظُرْ مَاذَا تَرَى) = أنت تعلم أنها رؤيا - أنت تعلم أني نبي الله - أنت تعلم صعوبة الأمر علي فأنا أبوك  - أنت تعلم أن الطاعة واجبة رغم قسوة الرؤيا علي وعليك.. ماذا ترى ..


هنا نرى ردة فعل نبي آخر..(هناك خلاف في كون هذا الابن إسماعيل أو إسحق وكليهما نبي وإن كان الأرجح أنه إسحق)..ردة فعل ولكن ليس بصفته نبياً بل بصفته ابناً طائعاً مخلصاً محباً لأبيه ومقدراً لمكانته ودوره، بل ولديه استيعاب كامل لمشاعر أبيه الإنسانية التي أجبرته على الحكي وطرح الأمر رغم قسوته وصعوبته وإدراكه حتمية الطاعة.


(يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ) الآن اتضحت الرؤيا. لقد أكد الابن لأبيه أنها رؤيا .. نعم يا أبي إنها رؤيا وأمر مباشر أعلم أن لا يد لك فيه كما تعلم أنت أيضاً .. أعلم قسوة الأمر عليك وإدراكك لقسوته علي .. ولكن أعلم أيضاً أنه أمر فقد أخبرتني بنفسك الآن أنك رأيت ذلك بتفاصيله .. لقد وصفته أبي بالرؤيا وهي وحي من الله لا يحتمل تأويلاً أو تفسيرا.


لم يحلم إبراهيم عليه السلام بالشمس والقمر وإثنى عشر كوكباً .. لم ير سبع بقرات سمان تأكلهن سبع عجاف .. رأى أنه يذبح ابنه.. هكذا بمنتهى الوضوح والصراحة


لم يكتف الابن بتأكيد الرؤيا ولم يكتف بحث أباه على الامتثال للأمر الإلهي. 


كان يمكن أن يقول (إفعل ما تؤمر وستجدني من الصابرين) ولكن هل يملك بشر أن يؤكد قدرته على احتمال الموقف؟ بالطبع لا.. الأمر أصعب من ذلك بكثير .. نعم هو ابن مطيع .. نعم أيضاً هو يعرف أن صدور الأمر لأبيه يعني الحتمية ووجوب الطاعة، نعم يعرف قسوة الموضوع على والده وصعوبته ولكنه يعلم أيضاً أن قدراته محدودة أمام الموت وبخاصة على يد أبيه..ويعلم أيضاً أن المشكله في مشاعر الأبوة .. جاءت الإجابة كمحاولة لتهدئة مخاوف والده وتخفيف حجم المعاناة التي سيواجهها أثناء فعل الذبح، وعشم كبير في عون من الله على اجتيازه. خاطبه بصيغة (يَا أَبَتِ) وطلب العون من الله (إِن شَاء اللَّهُ)


لقد تروى سيدنا إبراهيم في اتخاذ القرار .. وعاودته الرؤيا لتأكيد كونها وحياً فتحدث بها إلى ابنه وأخذ الإجابة ..


هذه القصة تحمل في طياتها الكثير .. ولأنها نموذج في طاعة الله ونموذج في طاعة الأب ونموذج في المحبة والفداء .. أصبحت قصة الفداء .. الكبش الأقرن العظيم.. خروف العيد .. تلك المكافأة التي منحها الله لنبيه وابن نبيه لتفديهما  .. هل يظن أحد أن إنساناً أياً كان سيظل طبيعياً بعد أن يذبح ابنه بيديه؟ لقد كان هذا الكبش خلاصاً لإبراهيم وابنه عليهما السلام ..


هذا الذبح الذي يقوم به المسلمون هو فداء لأنفسهم وأسرهم .. هو اقتضاء بطاعة إبراهيم وابنه عليهما السلام.. هو اليقين برحمة الله وحكمته .. هو عيد الأضحى


اللهم ارزقنا جميعاً حبنا لأبنائنا وحب ابنائنا لنا وحبنا جميعاً لك .. اللهم ارزقنا وكل خلقك على اختلافهم الحكمة والرضا والطاعة والجنة.


كل عام وأنتم بخير   

ليست هناك تعليقات: